6 : تساؤلات مع السيرة النبوية : عبد المطلب جد النبي النبي صلى الله عليه وسلم
المصادر: (1): الذهبي، سير أعلام النبلاء. (2): ابن الأثير، الكامل في التاريخ. (3): سيرة ابن هشام. (4): تاريخ الطبري. (5): ابن كثير، البداية والنهاية. (6): الندوي، السيرة النبوية. (7): الغزالي، فقه السيرة. (8): السباعي، السيرة النبوية. (9): العلي، صحيح السيرة النبوية.
س1): جد النبي صلى الله عليه وسلم اسمه شيبة، لماذا سُمي بعبد المطلب؟
(3): كَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَتَزَوَّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ.
فَوَلَدَتْ لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، فَسَمَّتْهُ شَيْبَةَ.
ثُمَّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ تَاجِرًا.
فَتَرَكَ هَاشِمٌ اِبْنَهُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَانَ وَصِيفًا[1] أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ.
ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ؛ لِيَقْبِضَهُ، فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ.
فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى: لَسْتُ بِمُرْسَلَتِهِ مَعَكَ، فَقَالَ لَهَا الْمُطَّلِبُ: إنِّي غَيْرُ مُنْصَرَفٍ حَتَّى أَخْرُجَ بِهِ مَعِي، إنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ بَلَغَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ فِي قَوْمِنَا، نَلِي كَثِيرًا مِنْ أُمُورِهِمْ، وَقَوْمُهُ وَبَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ.
فَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمِّهِ الْمُطَّلِبِ: لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَذِنَتْ لَهُ، وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ.
فَاحْتَمَلَهُ، فَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ مُرْدِفَهُ مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ابْتَاعَهُ.
فَقَالَ الْمُطَّلِبُ: وَيْحَكُمْ، إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ، قَدِمْتُ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ.
(1): سَارَ الْمُطَّلِبُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَدِمَهَا ضَحْوَةً، وَالنَّاسُ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: مَنْ هَذَا وَرَاءَكَ؟، فَيَقُولُ: هَذَا عَبْدِي، حَتَّى أَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، فَاشْتَرَى لَهُ حُلَّةً، فَلَبِسَهَا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِ الْعَشِيَّ، فَجَلَسَ إِلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَطُوفُ بِمَكَّةَ، فَيُقَالُ: هَذَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؛ لِقَوْلِهِ: هَذَا عَبْدِي.
س2): من هم أبناء عبد المطلب، أي أعمام النبي صلى الله عليه وسلم؟
(3): عَشَرَةَ نَفَرٍ، وَسِتَّ نِسْوَةٍ، وَهُمْ: 1: الْعَبَّاسُ. 2: حَمْزَةُ. 3: عَبْدُ اللَّهِ. 4: أَبُو طَالِبٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ. 5: الزُّبَيْرُ. 6: الْحَارِثُ. 7: حَجْلًا، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالْغَيْدَاقِ؛ لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَسَعَةِ مَالِهِ. 8: الْمُقَوِّمُ. 9: ضِرَارٌ. 10: أَبُو لَهَبٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى.
1: صَفِيَّةٌ. 2: أُمُّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ. 3: عَاتِكَةُ. 4: أُمَيْمَةُ. 5: أَرَوَى. 6: بَرَّةً.
س1): من هن زوجات عبد المطلب؟
(3): 1: سَمْرَاءُ بِنْتُ جُنْدُبِ بْنِ جُحَيْرِ بْنِ رِئَابِ بْنِ حَبِيبِ.
وَهِيَ أُمُّ: الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ[2].
2: لُبْنَى بِنْتُ هَاجَرَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ ضَاطِرَ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ.
وَهِيَ أُمُّ: أَبِي لَهَبٍ.
3: فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ.
وَهِيَ أُمُّ: عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَأُمَّ حَكِيمٍ الْبَيْضَاءَ، وَعَاتِكَةَ، وَأُمَيْمَةَ، وَأَرَوَى، وبَرَّةَ.
4: هَالَةُ بِنْتُ وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ.
وَهِيَ أُمُّ: حَمْزَةَ، وَالْمُقَوَّمِ، وَحَجْلٍ، وَصَفِيَّةَ.
5: نُكَيْلَةُ بِنْتُ جَنَابِ بْنِ كُلَيْبِ.
وَهِيَ أُمُّ: الْعَبَّاسِ، وَضِرَارٍ.
س): ما قصة خلاف عبد المطلب مع عمه عبد مناف؟
(1): عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْقَفَهُ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ عَلَى مِلْكِ أَبِيهِ، فَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ.
فَعَرَضَ لَهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ عَمُّهُ الْآخَرُ، بَعْدَ مَوْتِ الْمُطَّلِبِ فِي فِنَاءٍ لَهُ، فَأَخَذَهُ.
فَمَشَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ، وَسَأَلَهُمُ النُّصْرَةَ عَلَى عَمِّهِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا نَدْخُلُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَمِّكَ.
فَكَتَبَ إِلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، يَصِفُ لَهُمْ حَالَهُ، فَخَرَجَ أَبُو سَعْدِ بْنُ عُدَسٍ النَّجَّارِيُّ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا، حَتَّى أَتَى الْأَبْطَحَ[3]، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَتَلَقَّاهُ، فَقَالَ لَهُ: الْمَنْزِلَ يَا خَالِ، قَالَ: حَتَّى أَلْقَى نَوْفَلًا.
وَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ فِي الْحِجْرِ مَعَ مَشَايِخِ قُرَيْشٍ، فَسَلَّ سَيْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: لَتَرُدَّنَّ عَلَى ابْنِ أُخْتِنَا فَنَاءَهُ أَوْ لَأَمْلَأَنَّ مِنْكَ السَّيْفَ، قَالَ: أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَ.
ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: الْمَنْزِلَ يَا ابْنَ أَخِي، فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثًا، فَاعْتَمَرُوا، وَانْصَرَفُوا.
س): ما قصة عبد المطلب وأبرهة، وحادثة الفيل؟
(3): بَعَثَ أَبْرَهَةُ، حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إلَى مَكَّةَ، وَقَالَ لَهُ: سَلْ عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا، ثُمَّ قُلْ لَهُ: إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكَ: إنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ، إنَّمَا جِئْتُ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ.
فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَةُ مَكَّةَ، سَأَلَ عَنْ سَيِّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا؟، فَقِيلَ لَهُ: عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ، فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: وَاَللَّهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ، هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ، وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ، فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ، وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَوَاَللَّهِ مَا عِنْدَنَا دَفْعٌ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ حُنَاطَةُ: فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ.
وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ، فَقَالَ : حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتنِي، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قَدْ جِئْتُ أَهْدِمُهُ، لَا تُكَلِّمْنِي فِيهِ، قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ[4].
ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالتَّحَرُّزِ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ؛ تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَيْشِ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللَّهَ، وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ[5].
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَهَيَّأَ فِيلَهُ وَعَبَّى جَيْشَهُ، وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا، وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، ثُمَّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكَّةَ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ، حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ، أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ، فَإِنَّكَ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ، ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ.
فَبَرَكَ الْفِيلُ، وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدُّ حَتَّى أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ، وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا فِي رَأْسِهِ بالطَّبَرْزِينَ[6]؛ لِيَقُومَ، فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ[7] لَهُمْ فِي مَرَاقِّهِ[8]، فَبَزَغُوهُ[9] بِهَا؛ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الشَّامِ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ، فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إلَى مَكَّةَ، فَبَرَكَ.
فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنْ الْبَحْرِ، أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ[10] وَالْبَلَسَانِ[11]، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا: حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ، لَا تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلَّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَصَابَتْ، وَخَرَجُوا هَارِبِينَ، يَبْتَدِرُونَ الطَّرِيقَ الَّذِي مِنْهُ جَاءُوا، فَخَرَجُوا يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَيَهْلِكُونَ بِكُلِّ مَهْلِكٍ عَلَى كُلِّ مَنْهَلٍ[12].
س): ما قصة عبد المطلب وحفر بئر زمزم؟
(3): بَيْنَمَا عَبْدُ الْمُطَلِّبِ بْنُ هَاشِمٍ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، وَهِيَ دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ: إسَافٍ وَنَائِلَةٍ، عِنْدَ مَنْحَرِ قُرَيْشٍ .
وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا[13] حِينَ ظَعَنُوا[14] مِنْ مَكَّةَ، وَهِيَ بِئْرُ إسْمَاعِيلُ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ[15]، فَلَمَّا تُوُفِّيَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلِيَهُ، ثُمَّ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ.
قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ، إذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ: احْفِرْ طَيْبَةَ[16]، قُلْتُ: وَمَا طَيْبَةُ؟، ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: احْفِرْ بَرَّةَ[17]، قُلْتُ: وَمَا بَرَّةُ؟، ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ[18]، فَقُلْتُ: وَمَا الْمَضْنُونَةُ؟، ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي، فَنِمْتُ فِيهِ، فَجَاءَنِي، فَقَالَ: احْفِرْ زَمْزَمَ[19]، قُلْتُ: وَمَا زَمْزَمُ؟، قَالَ: لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ[20]، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ.
فَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ شَأْنُهَا، وَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا، وَعَرَفَ أَنَّهُ صُدِّقَ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ، فَحَفَرَ فِيهَا.
فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيَّ كَبَّرَ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ، فَقَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، إنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا، فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا؛ قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، إنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فَأَنْصِفْنَا، فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا.
قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ، أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٌ، قَالَ: نَعَمْ. وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ .
فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ.
فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ[21] بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: إنَّا بِمَفَازَةٍ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ.
فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ، وَمَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟، قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ؛ قَالَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، قَالُوا: نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ.
فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا.
ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاَللَّهِ إنَّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ، ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا.
حَتَّى إذَا فَرَغُوا، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، تَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ.
ثُمَّ نَزَلَ، فَشَرِبَ، وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ، وَاسْتَقَوْا حَتَّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: هَلُمَّ إلَى الْمَاءِ، فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ، فَاشْرَبُوا وَاسْتَقَوْا، فَجَاءُوا فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا.
ثُمَّ قَالُوا: قَدْ وَاَللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ، وَاَللَّهِ لَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا، إنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ؛ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا.
فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ، وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا[22].
س): من هم قوم جُرْهُم؟
(3): جُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ، هُمَا ابْنَا عَمٍّ.
قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ قَوْمَهُمَا، فَلَمَّا نَزَلَا مَكَّةَ، رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ، فَأَعْجَبَهُمَا، فَنَزَلَا بِهِ.
وَكَانَ عَلَى جُرْهُمٍ: مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو، وَعَلَى قَطُورَاءَ: السَّمَيْدَعُ.
فَنَزَلَ مُضَاضُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ، بِقُعَيْقِعَانَ، وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَطُورَاءَ أَسْفَلَ مَكَّةَ، بِأَجْيَادِ.
فَكَانَ مُضَاضٌ وَالسَّمَيْدَعُ كُلٌّ فِي قَوْمِهِ، لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.
ثُمَّ إنَّ جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ بَنُو إسْمَاعِيلَ، فَقَدْ تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ مِنْهُم، أَيْ مِنْ قَبِيلَةِ جُرْهُم، فَهُمْ أَخْوَالُ أَوْلَادِهِ.
فَسَارَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ، فَخَرَجَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السَّمَيْدَعِ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدَّتُهَا مِنْ الرِّمَاحِ وَالدَّرَقِ وَالسُّيُوفِ وَالْجِعَابِ، يُقَعْقِعُ بِذَلِكَ مَعَهُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ إلَّا لِذَلِكَ.
وَخَرَجَ السَّمَيْدَعُ مِنْ أَجْيَادٍ، وَمَعَهُ الْخَيْلُ وَالرِّجَالُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ أَجْيَادٌ أَجِيَادًا إلَّا لِخُرُوجِ الْجِيَادِ مِنْ الْخَيْلِ مَعَ السَّمَيْدَعِ مِنْهُ.
فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ السَّمَيْدَعُ، وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَ فَاضِحٌ فَاضِحًا إلَّا لِذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ، وَهُوَ شِعْبًا بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ، وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ.
فَلَمَّا جُمِعَ إلَيْهِ أَمْرُ مَكَّةَ، فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ، نَحَرَ لِلنَّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ، فَاطَّبَخَ النَّاسُ وَأَكَلُوا، فَيُقَالُ: مَا سُمِّيَتْ الْمَطَابِخُ الْمَطَابِخَ إلَّا لِذَلِكَ.
فَكَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ وَالسَّمَيْدَعِ، أَوَّلَ بَغْيٍ كَانَ بِمَكَّةَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ.
ثُمَّ نَشَرَ اللَّهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكَّةَ، وَأَخْوَالُهُمْ مِنْ جُرْهُمٍ، وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكَّامُ بِمَكَّةَ، لَا يُنَازِعُهُمْ وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِكَ لِخُئُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ، وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ.
فَلَمَّا ضَاقَتْ مَكَّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ، انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ، فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا، إلَّا أَظْهَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ، فَوَطِئُوهُمْ.
س): ماذا حلّ بقبيلة جُرْهُم؟
(3): ثُمَّ إنَّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكَّةَ، وَاسْتَحَلُّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ[23]، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الَّذِي يُهْدَى لَهَا، فَرَقَّ أَمْرَهُمْ.
فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذَلِكَ، أَجَمَعُوا لِحَرْبِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مَكَّةَ.
فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ، فَاقْتَتَلُوا، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ، فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكَّةَ[24].
فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيُّ، بِغَزَالِيِّ الْكَعْبَةِ، وَبِحَجَرِ الرُّكْنِ، فَدَفَنَهَا فِي زَمْزَمَ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا.
ثُمَّ إنَّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَكَانَ الَّذِي يَلِيهِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيُّ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ، وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرِّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنُ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّ.
س): كيف أصبح جد النبي صلى الله عليه وسلم قصي[25] بن كلاب أميرًا على مكة؟
(3): خَطَبَ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ إلَى وَالِي الْكَعْبَة حُلَيْلُ بْنِ حُبْشِيَّةَ الْخُزَاعِيَّ ابْنَتَهُ حُبَّى، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوَّجَهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدَّارِ، وَعَبْدَ مَنَافٍ، وَعَبْدَ الْعُزَّى، وَعَبْدًا، فَلَمَّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيٍّ، وَكَثُرَ مَالُهُ، وَعَظُمَ شَرَفُهُ، هَلَكَ حُلَيْلٌ[26].
فَرَأَى قُصَيٌّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ، وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ.
فَكَلَّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَبَنِيَّ كِنَانَةَ، وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ، فَأَجَابُوهُ.
فَأَتَاهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: لَنَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ، فَقَاتِلُوهُ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْهَزَمُوا، وَغَلَبَهُمْ قُصَيٌّ[27].
فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ، فَكَانَتْ إلَيْهِ الْحِجَابَةُ، وَالسِّقَايَةُ، وَالرِّفَادَةُ، وَالنَّدْوَةُ، وَاللِّوَاءُ، فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ، فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، كَالدِّينِ الْمُتَّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ.
س): كيف أصبح جد النبي صلى الله عليه وسلم عبد مناف[28] بن قصي صاحب الرفادة والسقاية؟
(3): لَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى، وَعَبْدٌ.
قَالَ قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ، لِأُلْحِقَنَّكَ بِالْقَوْمِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ، لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا لَهُ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلَّا أَنْتَ بِيَدِكَ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ سِقَايَتِكَ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلَّا مِنْ طَعَامِكَ، وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِي دَارِكَ. فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النَّدْوَةِ، الَّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِيهَا، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ وَاللِّوَاءَ وَالسِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ.
ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ، فَأَجْمَعَ بَنُو عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ: عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطَّلِبَ وَنَوْفَلًا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، مِنْ الْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ.
فَبَيْنَا النَّاسُ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ، إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَمَا كَانَتْ.
فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ، وَتَحَاجَزَ النَّاسُ عَنْ الْحَرْبِ.
فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وأَيُّما حِلْفٍ كانَ في الجاهِلِيَّةِ، لَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلَّا شِدَّةً”[29].
س): كيف انتقلت الرفادة والسقاية إلى جد النبي صلى الله عليه وسلم هاشم[30] بن عبد مناف[31]؟
(3): وَلِيَ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلَّمَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، وَكَانَ مُقِلًّا ذَا وَلَدٍ، وَكَانَ هَاشِمٌ مُوسِرًا.
فَكَانَ إذَا حَضَرَ الْحَاجُّ، قَامَ هَاشِمٌ فِي قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَإِنَّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوَّارُ اللَّهِ وَحُجَّاجُ بَيْتِهِ، وَهُمْ ضَيْفُ اللَّهِ، وَأَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ ضَيْفُهُ، فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لَهُمْ بِهِ طَعَامًا أَيَّامَهُمْ هَذِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِكَ مَا كَلَّفْتُكُمُوهُ.
فَيُخْرِجُونَ لِذَلِكَ خَرْجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، كُلُّ امْرِئِ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ، فَيَصْنَعُ بِهِ لِلْحُجَّاحِ طَعَامًا حَتَّى يُصْدَرُوا مِنْهَا.
س): كيف انتقلت الرفادة والسقاية إلى جد النبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب بن هاشم؟
(3): كَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَتَزَوَّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ.
ثُمَّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ تَاجِرًا.
فَوَلِيَ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ.
ثُمَّ هَلَكَ الْمُطَّلِبُ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ.
ثُمَّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ بَعْدَ عَمِّهِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقَامَهَا لِلنَّاسِ، وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ، وَأَحَبَّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ.
س): من تولى سقاية زمزم بعد وفاة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم؟
(3): لَمَّا هَلَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَلِيَ زَمْزَمَ وَالسِّقَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ، الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مِنْ أَحْدَثِ إخْوَتِهِ سِنًّا، فَلَمْ تَزَلْ إلَيْهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ بِيَدِهِ[32].
س): مَا قِصَّةُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ؟
(3): كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ، لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ، ثُمَّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يَمْنَعُوهُ، لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ لِلَّهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ.
فَلَمَّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ، جَمَعَهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء لِلَّهِ بِذَلِكَ، فَأَطَاعُوهُ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَصْنَعُ؟، قَالَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا[33]، ثُمَّ يَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ، ثُمَّ ائْتُونِي، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَتَوْهُ، فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ عَلَى بَنِيَّ هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ.
فَأَعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الَّذِي فِيهِ اسْمُهُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَيْهِ.
فَلَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ؛ لِيَضْرِبَ بِهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ.
ثُمَّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ؛ لِيَذْبَحَهُ[34].
فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا، فَقَالُوا: مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟، قَالَ: أَذْبَحُهُ؛ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: وَاَللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ؛ لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا، لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَأْتِي بِابْنِهِ حَتَّى يَذْبَحَهُ، فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى هَذَا.
وَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ: لَا تَفْعَلْ، وَانْطَلِقْ بِهِ إلَى الْحِجَازِ، فَإِنَّ بِهِ عَرَّافَةً لَهَا تَابِعٌ، فَسَلْهَا، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ، إنْ أَمَرَتْكَ بِذَبْحِهِ ذَبَحْتَهُ، وإنْ أَمَرَتْكَ بِأَمْرٍ لَكَ وَلَهُ فِيهِ فَرَجٌ، قَبِلْتُهُ.
فَانْطَلَقُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَوَجَدُوهَا بِخَيْبَرِ، فَرَكِبُوا حَتَّى جَاءُوهَا، فَسَأَلُوهَا، وَقَصَّ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ، وَمَا أَرَادَ بِهِ، وَنَذْرَهُ فِيهِ؛ فَقَالَتْ لَهُمْ: ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي، فَأَسْأَلُهُ.
فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا عَنْهَا، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ: قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ، كَمْ الدِّيَةُ فِيكُمْ؟، قَالُوا: عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ.
قَالَتْ: فَارْجِعُوا إلَى بِلَادِكُمْ، ثُمَّ قَرِّبُوا صَاحِبَكُمْ، وَقَرِّبُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَزِيدُوا مِنْ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ، فَانْحَرُوهَا عَنْهُ، فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ وَنَجَا صَاحِبُكُمْ.
فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ، فَلَمَّا أَجَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ قَرَّبُوا عَبْدَ اللَّهِ وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ.
فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ عِشْرِينَ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ.
وَمَا زَالُوا يَزِيدُونَ حَتَّى بَلَغَتْ الْإِبِلُ مِئَةً، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ.
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَ: قَدْ انْتَهَى رِضَا رَبِّكَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ[35].
س): ما قصة العباس وأبو سفيان والحبر اليهودي؟
(5): قَالَ الْعَبَّاسُ: خَرَجْتُ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الْيَمَنِ فِي رَكْبٍ مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ لِي أَبُو سُفْيَانَ: هَلْ عَلِمْتَ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَزْعُمُ أنَّه رَسُولُ اللَّهِ؟، وأخرج كتاباً مَعَهُ مِنِ ابْنِهِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِيهِ: أُخْبِرُكَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَامَ بِالْأَبْطَحِ، فَقَالَ: أَنَا رسولُ أدعوكم إلى الله عز وجل، فقال العباس: إِنَّهُ لَصَادِقٌ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَهْلًا يَا أَبَا الْفَضْلِ، فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا.
فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا لَيَالٍ حَتَّى قَدِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بِالْخَبَرِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَفَشَا ذَلِكَ فِي مَجَالِسِ الْيَمَنِ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَجْلِسُ مَجْلِسًا بِالْيَمَنِ، يَتَحَدَّثُ فِيهِ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: مَا هَذَا الْخَبَرُ؟، بَلَغَنِي أَنَّ فِيكُمْ عَمَّ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ مَا قَالَ؟، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: صَدَقُوا، فَنَادَى الْحَبْرُ الْعَبَّاسُ، قَالَ الْعَبَّاسُ: فَجِئْتُ، فَقُلْتُ لِلْحَبْرِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنْ رَجُلٍ مِنَّا زَعَمَ أنَّه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَلْنِي فإن كذبت فليرد عَلَيَّ[36].
فَأَقْبَلَ عَلَيَّ الْحَبْرُ، فَقَالَ: نَشَدْتُكَ، هَلْ كَانَ لِابْنِ أَخِيكِ صَبْوَةٌ أَوْ سَفَهَةٌ؟، قُلْتُ: لَا، وَلَا كَذَبَ، وَلَا خَانَ، وَإِنَّهُ كَانَ اسْمُهُ عِنْدَ قُرَيْشٍ الْأَمِينَ، قَالَ: فَهَلْ كَتَبَ بِيَدِهِ؟، ظَنَنْتُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أقولها، ثم تذكرت أبو سفيان، إن كذبت يرد علي، فقلت: لا يكتب، فوثب الحبر ونزل رداؤه، وَقَالَ: ذُبِحَتْ يَهُودُ، وَقُتِلَتْ يَهُودُ.
قَالَ الْعَبَّاسُ: فَلَمَّا رَجَعْنَا إِلَى مَنْزِلِنَا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْفَضْلِ إِنَّ الْيَهُودَ تَفْزَعُ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ!، قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ، فَهَلْ لَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ أَنْ تُؤْمِنَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا، كُنْتَ قَدْ سَبَقْتَ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، فَمَعَكَ غَيْرُكَ مِنْ أَكْفَائِكَ؟، قَالَ: لَا أُؤْمِنُ بِهِ حَتَّى أَرَى الْخَيْلَ فِي كَدَاءٍ![37].
قَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: فَلَمَّا اسْتَفْتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَنَظَرْنَا إِلَى الْخَيْلِ، وَقَدْ طَلَعَتْ مِنْ كَدَاءٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ تَذْكُرُ الْكَلِمَةَ؟، قَالَ: إِي وَاللَّهِ إِنِّي لَذَاكِرُهَا، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ.
الهوامش:
[1]: الوصيف: هو الغلام دون المراهق.
[2] : الحارث هو أكبر أبناء عبد المطلب.
[3] : الأبطح هو المكان المتَّسعُ يَمُرّ به السيل، فيترك فيه الرملَ والحصى الصغار.
[4] : (3): رَدَّ أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْإِبِلَ الَّتِي أَصَابَهَا لَهُ.
[5] : (3): ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ الْجِبَالِ، فَتَحَرَّزُوا فِيهَا، يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بِمَكَّةَ إذَا دَخَلَهَا.
[6]: نوع من السلاح يشبه الفأس.
[7]: أداة معوجَّة الرَّأس تُجذب بها الأشياء، كالخُطَّاف.
[8]: بطنه.
[9]: شَقُّوه.
[10]: السُّنُونو، وهو ضربٌ من الطيور القواطع، عريضَ المنقار، دقيق الجناح طويله، منتفش الذيل.
[11]: شجر له زهر أبيضَ صَغير كهيئة العناقيد.
[12]: (3): وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ تَسْقُطُ أَنَامِلُهُ، أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً، كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدَّةٌ تَمُثُّ قَيْحًا وَدَمًا، حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ، وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ، فَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ.
[13]: إذا كانت جُرهم قد دفنت بئر زمزم، فمن أين كان يشرب أهل مكة؟، (3): كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ احْتَفَرَتْ بِئَارًا بِمَكَّةَ، فَحَفَرَ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ (الطَّوِيَّ)، وهي الْبِئْرُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ. وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ (بَذَّرَ)، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ. وَحَفَرَ أَيْضَا (سَجْلَةَ)، وَهِيَ بِئْرُ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الَّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ، وَهَبَهَا بَنُو هَاشِمٍ لَلْمُطْعِمِ حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ، فَاسْتَغْنَوْا بِزَمْزَمَ عَنْ تِلْكَ الْآبَارِ. وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سُقَيَّةَ، وَهِيَ بِئْرُ (بَنِي أَسَدٍ). وَحَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ (أُمَّ أَحْرَادٍ). وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ (السُّنْبُلَةَ). وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ (الْغِمْرَ). وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ كُبَرَاءِ قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ، وَهِيَ (رُمُّ): بِئْرُ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَ(خُمُّ): بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ.
[14]: ظَعَنُوا أي رحلوا.
[15]: (3): سَقَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ حِينَ ظَمِئَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمُّهُ مَاءً، فَلَمْ تَجِدْهُ، فَقَامَتْ إلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْمَاءُ، وَسَمِعَتْ أُمُّهُ أَصْوَاتَ السِّبَاعِ، فَخَافَتْهَا عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ تَشْتَدُّ نَحْوَهُ، فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ بِيَدِهِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ خَدِّهِ وَيَشْرَبُ.
[16] : طَيْبَةَ معناها: الشراب الصافي.
[17]: بَرَّةَ: هي المكان المتسع الذي لا تكاد ترى حدوده؛ بسبب إتساعه، أو الزيادة في الشي الحسن الطيب، بدون حدود ولا نهاية.
[18]: الْمَضْنُونَةَ: هي المحبوسة أو الغاليَةُ.
[19]: زَمْزَمَ الشَّيْءَ أَيْ جَمَعَهُ، وَرَدَّ أَطْرافَ ما انْتَشَرَ مِنْهُ.
[20]: غرابٌ أَعْصَمُ أَيْ أَحْمَرُ المِنْقَار والرِّجْليْنِ.
[21]: الْمَفَاوِزِ أي الصحاري.
[22]: (3): ثُمَّ ضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْأَسْيَافَ بَابًا لِلْكَعْبَةِ، وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ أَوَّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ. ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجَّاجِ.
[23]: (2): منها: أَنَّ إِسَافًا وَنَائِلَةَ زَنَيَا فِي الْبَيْتِ، فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ.
[24]: (3): وَكَانَتْ مَكَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقِرُّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَرَجَتْهُ، فَكَانَتْ تُسَمَّى النَّاسَّةَ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَهَا إلَّا هَلَكَ مَكَانَهُ، فَيُقَالُ: إنَّهَا مَا سُمِّيَتْ بِبَكَّةِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا.
[25]: (4): اسْمُهُ زَيْدٌ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمُغِيرَةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ قُصَيٌّ: لِأَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ حَرَامِ تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَاطِمَةَ ابْنَةَ سَعْدِ بْنِ سَيَلَ، وَنَقَلَهَا إِلَى بِلَادِ عُذْرَةَ مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ، وَحَمَلَتْ مَعَهَا قُصَيًّا لِصِغَرِهِ، فَشَبَّ زَيْدٌ فِي حِجْرِ رَبِيعَةَ، فَسُمِّيَ قُصَيًّا؛ لِبُعْدِهِ عَنْ دَارِ قَوْمِهِ، وَكَانَ قُصَيٌّ يَنْتَمِي إِلَى رَبِيعَةَ إِلَى أَنْ كَبِرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ قُضَاعَةَ شَيْءٌ، فَعَيَّرَهُ الْقُضَاعِيُّ بِالْغُرْبَةِ، فَرَجَعَ قُصَيٌّ إِلَى أُمِّهِ وَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ؟، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ، أَنْتَ أَكْرَمُ مِنْهُ نَفْسًا وَأَبًا، أَنْتَ ابْنُ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ، وَقَوْمُكَ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ. فَصَبَرَ حَتَّى دَخَلَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ، وَخَرَجَ مَعَ حَاجِّ قُضَاعَةَ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَأَقَامَ مَعَ أَخِيهِ زُهْرَةَ، ثُمَّ خَطَبَ إِلَى حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ الْخُزَاعِيِّ ابْنَتَهُ حُبَّى، فَزَوَّجَهُ، وَحُلَيْلٌ يَوْمَئِذٍ يَلِي الْكَعْبَةَ.
[26]: (4): لَمَّا هَلَكَ حُلَيْلٌ جَعَلَ فَتْحَ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ إِلَى ابْنِهِ الْمُحْتَرِشِ، وَهُوَ أَبُو غَبْشَانَ. فَاشْتَرَى قُصَيٌّ مِنْهُ وِلَايَةَ الْبَيْتِ بِزِقِّ خَمْرٍ وَبِعُودٍ، فَضَرَبَتْ بِهِ الْعَرَبُ الْمَثَلَ، فَقَالَتْ: أَخْسَرُ صَفْقَةً مِنْ أَبِي غُبْشَانَ.
[27] : (3): ثُمَّ انْحَازَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيٍّ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ سَيَمْنَعُهُمْ، كَمَا مَنَعَ مَنْ سَبَقَهُمْ، وَأَنَّهُ سَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ. فَلَمَّا انْحَازُوا عَنْهُ، أَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ، فَالْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا بِالْأَبْطَحِ، حَتَّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ إنَّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ وَإِلَى أَنْ يُحَكِّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ، فَحَكَّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عَوْفِ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنَّ قُصَيًّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ.
[28]: (2): واسْمُهُ الْمُغِيرَةُ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْقَمَرُ لِجَمَالِهِ. وَكَانَتْ أُمُّهُ حِينَ وَلَدَتْهُ دَفَعَتْهُ إِلَى مَنَافٍ، صَنَمٍ بِمَكَّةَ، تَدَيُّنًا بِذَلِكَ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ عَبْدُ مَنَافٍ. وَقِيلَ كَانَ قُصَيٌّ يَقُولُ: وُلِدَ لِي أَرْبَعَةُ بَنِينَ، فَسَمَّيْتُ ابْنَيْنِ بِإِلَهَيَّ، وَهُمَا: عَبْدُ مَنَافٍ، وَعَبْدُ الْعُزَّى، وَوَاحِدًا بِدَارِي، وَهُوَ: عَبْدُ الدَّارِ، وَوَاحِدًا بِي، وَهُوَ عَبْدُ قُصَيٍّ. وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدُ الدَّارِ بَنُو قُصَيٍّ إِخْوَةً، أُمُّهُمْ حُبَّى ابْنَةُ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ سَلُولِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خُزَاعَةَ.
[29]: صحيح مسلم.
[30]: اسْمُهُ عَمْرًا، فَمَا سُمِّيَ هَاشِمًا؛ إلَّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكَّةَ لِقَوْمِهِ. وَكَانَ هَاشِمٌ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرِّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ: رِحْلَتَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَأَوَّلَ مَنْ أَطْعَمَ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ.
[31]: كَانَ أَوَّلَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ هُلْكًا هَاشِمٌ، بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثُمَّ عَبْدَ شَمْسٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ الْمُطَّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، ثُمَّ نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ.
[32]: فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ وِلَايَتِهِ، فَهِيَ إلَى آلِ الْعَبَّاسِ، بِوِلَايَةِ الْعَبَّاسِ إيَّاهَا، إلَى هَذَا الْيَوْمِ.
[33]: القِدْحُ هو قطعةٌ من الخشب وتكون في طول الفِتْر. (3): كَانَ عِنْدَ هُبَلَ قِدَاحٌ سَبْعَةٌ، كُلُّ قِدْحٍ مِنْهَا فِيهِ كِتَابٌ، 1: قِدْحٌ فِيهِ الْعَقْلُ: إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ، فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ. 2: قِدْحٌ فِيهِ نَعَمْ لِلْأَمْرِ: إذَا أَرَادُوا شَيْئَا، فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ نَعَمْ عَمِلُوا بِهِ. 3: قِدْحٌ فِيهِ لَا لِلْأَمْرِ: إذَا أَرَادُوا شَيْئَا، فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ لَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَأَخَّرُوهُ عَامَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوهُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى. 4:قِدْحٌ فِيهِ الْمِيَاهُ: إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ، عَمِلُوا بِهِ. 5+6+7: قِدْحٌ فِيهِ: مِنْكُمْ، وَقِدْحٌ فِيهِ: مُلْصَقٌ، وَقِدْحٌ فِيهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ. فَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا، أَوْ يُنْكِحُوا مُنْكَحًا، أَوْ يَدْفِنُوا مَيْتًا، أَوْ شَكَلُوا فِي نَسَبِ أَحَدِهِمْ، ذَهَبُوا بِهِ إلَى هُبَلَ وَبِمِئَةِ دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ، فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمْ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا إلَهَنَا، هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجْ الْحَقَّ فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ (مِنْكُمْ) كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ (مِنْ غَيْرِكُمْ) كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ (مُلْصَقٌ)، كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ.
[34] : قَالَ أعرابيٌّ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: يا ابنَ الذَّبيحَينِ، فتبسَّمَ، ولَم يُنكرْ عليهِ. حديث صحيح.
[35]: قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: لَا وَاَللَّهِ حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْإِبِلِ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، ثُمَّ عَادُوا الثَّانِيَةَ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، ثُمَّ عَادُوا الثَّالِثَةَ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ، فَضَرَبُوا، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ، فَنُحِرَتْ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ.
[36]: أي أبو سفيان.
[37]: كَدَاءٍ هي طريق في جيب بأعلى مكة عند المحصب.
0 responses on "6 : تساؤلات مع السيرة النبوية : عبد المطلب جد النبي النبي صلى الله عليه وسلم"