استقبال رمضان

قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (الكهف/46).

الصديق الوحيد الذي ليس له عدو، المال يعطيك القبول والجمال والمظهر، ويعطيك أشياء جميلة: يعطيك بيت واسع، وأنت عليك اختيار الجيران، المال يغطي مصاريف الزواج، وعليك حسن اختيار الزوجة الصالحة، والمال يعطيك القدرة على الإنفاق على الأبناء، وعليك أنت تربيتهم، المال ينفق على شفائك من المرض، وعليك أنت بالشكر والصبر.

أيها الأحبة، لو سألنا أحدنا: هل تريد السعادة؟، سيقول: نعم، بالتأكيد، وما هي السعادة؟، سيقول: بيت واسع، سيارة أنيقة، زوجة محبة، أبناء صالحون، صحة البدن وعافيته، ما الذي تفعله من أجل تلك الأشياء؟، سيقول: جمع المال، وفعلًا، نرى في حياتنا كيف نَجري في الحياة، من أجل تحويشة العمر، وتحويشة العمر نظن أنها ستحقق لنا ذلك.

دعونا نستقبل رمضان من أجل جمع المال؟!، أليس الذي أبعدنا عن الله تعالى طوال العام الغفلة في جمع المال؟، إذا دعونا نكمل رمضان ونحن نجمع المال، وبطريقتين مضمونتين، نكسب الدنيا والآخرة:

الطريقة الأولى المضمونة: كثرة الاستغفار في رمضان المبارك: أما قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ..} (سورة نوح)، إذا كثرة الاستغفار تجلب المال، وفوق البيعة، قال حذيفة رضي الله عنه: كان في لساني ذرب على أهلي (أي حدّة) فذكرت ذلك للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟! (رواه أحمد بسند ضعيف)، ووصية الإمام الحسن البصري رحمه الله: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، وأينما كنتم، فإنّكم ما تدرون متى تنزل المغفرة.

الطريقة الثانية المضمونة: الصدقة: نحن نذنب، فكيف نطهر أنفسنا، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} (التوبة/103)، ونعلم أن الصدقة لا تنقص المال: ما نقص مال من صدقة، ونعلم أن الصدقة تضاعف المال: الحسنة بعشر أمثالها، ونعلم أيضًا أن عدم الصدقة ضياع للمال: “مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا” (متفقٌ عَلَيْهِ).

قد يقول البعض: أنا لا أملك المال، ماذا أفعل؟، اسمع، مرّ شاب بعجوز فقير، يسأل الناس، فتوقف عنده ليقدم له إحساناً، ولكن لما وضع يده في جيبه، وجد أنه قد نسي المحفظة، فاعتذر إلى الفقير، قائلاً: معذرة يا أبي، لقد نسيت نقودي بالمنزل، إن شاء الله، نلتقي غدًا، رد عليه العجوز الفقير: عفوًا يا ولدي، لقد أعطيتني، قال الشاب بدهشة: لا، لقد نسيت المحفظة في البيت!، قال العجوز الفقير: يا بني، لقد أعطيتني أكثر من الجميع، فإنك حين اعتذرت لي، قلت لي يا (أبي) وهذه الكلمة لم أسمعها من أبنائي منذ زمن بعيد، وهذه الكلمة هي أغلى عندي من أي مال.

فكما أن هناك صدقة مادية، هناك مفهوم للصدقة أعمق وأشمل، فهناك الصدقة المعنوية، منها: قال صلى الله عليه وسلم: “تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ” رواه الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَة” صحيح البخاري، ومن أعظم أنواع الصدقة المعنوية: قوله صلى الله عليه وسلم: “والكلمة الطيبة صدقة” صحيح البخاري، فما أعظم عبادة جبر الخواطر.

وتذكر يا صديقي، أن المال الذي تملكه له أربعة شركاء: الحوادث، ما أنفقته للدنيا، ما ادخرته في الآخرة، الورثة، فمن الشريك الذي ستحرص عليه.

 

الخطبة الثانية:

 

من أعظم نعم الإسلام: توافق العقل مع النقل، وهو ما يسمى “بالأمان العقائدي”، هذا الأمان العقائدي نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، أما آن لنا أن ندرك عظمة ما نحن فيه، أما آن لنا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ.

ما أعظم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، وَمَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ” (صحيح البخاري).

قالت الجدة لابنتها: لبسي حفيدتي الحجاج، قالت الأم: لا، حتى تنتقع، قالت الجدة: عندما تمرض حفيدتي، هل تعطيها الدواء، أم تنتظرين حتى تقتنع؟، قالت: اقتنعت أم لم تقتنع، يجب علي كأم المحافظة على صحتها، قالت الجدة: لما أرسلتها إلى مدرسة، هل كانت مقنعة؟، قالت الأم: اقتنعت أم لم تقتنع، يجب علي كأم المحافظة على مستقبلها، قالت الجدة: لما تأمريها بالاستحمام وتنظيف أسنانها، هل كانت مقنعة؟، قالت الأم: اقتنعت أم لم تقتنع، يجب علي كأم المحافظة على نظافتها، قالت الجدة، وكذلك الحجاب، اقتنعت أم لم تقتنع، يجب علي كأم انقاذها من النار، وفوزها بالجنة، يا بنتي، الدين صلاح الدنيا والآخرة، الحجاب يحفظ لها عفتها وسترها وحيائها، ومن شب على شيء شاب عليه.

 

دمتم بخير

د. أبو عبيدة العطار

0 responses on "استقبال رمضان"

Leave a Message

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

من نحن

نحن فريق مشرف على موقع تعليمي الكتروني
ونقدم كافة الخدمات والدورات التربوية والتنمية البشرية

عدد الزوار

0456170
Visit Today : 141
Visit Yesterday : 1903
Total Visit : 456170
Total Hits : 6076079

المشتريات

top
جميع الحقوق محفوظة  © فريق د. مجدي العطار 2017- 2020