الحاج صالح

أراد صالح الذهاب إلى الحج، ورافقه جار له.

في الطريق، نزل صالح وجاره بالقرب من خيمة؛ لشرب الماء.

عرف صالح أن الخيمة لأرملة مع أطفالها.

ومن الخيمة يظهر حجم فقر هذه العائلة، وسمع صوت طفل لتلك الأرملة يبكي، ويقول: أمي إني جائع، وهي تحاول أن تسليه وتلهيه.

كان معه صالح شاة، سيذبحها هَدْيٌ في الحج، فوقف حائرًا: أأذبح الشاة قُربًا لله، أم أطعم بها هؤلاء الجياع؟.

اطمئن قلبه إلى ذبحها، فذبح الشاة، ووزع لحمها على الأرملة وأطفالها، وأكل منها وأطعم جاره.

تعجب جاره من فعله، وكيف أنه ضحى بهدي الحج؟!

فقال صالح: الدماء عند الله عظيمة، وأعظم منها الرحمة.

وفي تلك الليلة، رأى صالح في منامه من يقول له: الله تعالى قبل أضحيتك!.

تابع صالح مع جاره الطريق إلى الحج.

نظر جاره إلى الشاة التي معه، وقال لصالح: مسكينة هذه الشاة، سوف تذبح!.

قال صالح: على العكس، إنها تعتبر ذبحها شرف لها؟.

تعجب جاره وقال: كيف؟، قال صالح: لأنها ستذبح طاعة لله تعالى!.

تابع صالح قوله: لكن، هل تعلم أن هذا الذبح اختبار لنا، قال جاره: كيف؟!.

قال صالح: الضحية تفرق بين الناس، فمن الناس من يذبحها كُرهًا وبخلًا، ومن الناس من يذبحها حُباً ورضًا.

قال جاره: أي الأضحية امتحان لنا؟، قال صالح: أحسنت.

ثم جلس صالح مع جاره للاستراحة وتناول الطعام.

قال صالح لجاره: يروى أن واليًا أراد أن يُفرح الناس في يوم العيد، فقال: أعفوا عن كل السجناء!.

ففرح الناس، وتجمهروا أمام السجن، وكل سجين خرج وعانق أهله.

لكن أحدهم ظل جالسًا في الزنزانة، لم يخرج، سأله الحراس: ما بالك؟، لقد عفا الوالي عنك!.

فقال: أنا مذنب، لا أستحق العفو.

فأخبروا الوالي بأمر ذلك السجين، ووصفوه بأنه مجنون.

فبكى الوالي، وقال: بل نحن المجانين، والله إنه أول من يستحق العفو؛ لأنه اعترف بذنبه!.

التفت صالح على جاره، وقال له: يا جاري العزيز، ونحن قبل أن نصل إلى يوم عرفة، يوم العفو والمغفرة، لابد أن نعترف بتقصيرنا وذنوبنا، ونتوب إلى الله توبة نصوحة.

ثم سار صالح مع جاره، وابتسم صالح إلى جاره، وقال: أتعجب من كثرة متاعك يا جاري العزيز، قال جاره: بل أنا من يتعجب إلى قلة متاعك، يا صالح، سفرنا أيام طويلة، ونحتاج إلى متاع كثير.

قال صالح: الحاج متاعه في قلبه، من التقوى واليقين والتوكل والرضا والصبر والشكر.

قال جاره: لم أفهم؟، قال صالح: حسنًا، انظر إلى متاعك، كتبت اسمك على كل شيء منها، أليس كذلك؟!.

قال جاره: نعم، حتى لا تضيع، قال صالح: متاعك لو ضاع عندما تعود من الحج، يُعوض، أما عبادات وأعمال الحج إذا لم تُقبل، لا تعوض، يا جاري العزيز، عبادات وأعمال الحج التي يقبلها الله تعالى منك، يُكتب اسمك عليها، وستعود إليك يوم الحساب تدافع عنك وتُدخلك الجنة.

بكى جاره بكاءً شديدًا، وسجد لله سجدة شكر، وأطال حتى التصق به التراب، فقال صالح: ماذا الذي دفعك لسجدة الشكر؟!.

قال جاره: يا صالح، إنك لك من اسمك نصيب، وأحمد الله تعالى أن شرفني بصحبتك، فإنك والله كما تستحق اسم صالح، تستحق أيضًا لقب “حاج” قبل أن تحج.

قال صالح: الحمد لله، هذا فضل الله تعالى علينا، جاري العزيز امسح جبينك فقد التصق به التراب، قال جاره: لا، دعه، فهذا التراب يشهد على توبتي.

ضحك صالح، وقال: يا جاري العزيز، التوبة في القلب والعمل، وليس في الجبين!.

ضحك جاره، وقال: أردت أن أكون حكيمًا مثلك؟!

دمتم بخير

فريق د. مجدي العطار

اترك تعليق

من خلال مشاريعنا المتنوعة، نعمل على تعليم وتدريب الأفراد وتعزيز الروابط الأسرية

معلومات الاتصال

عمان ماركا الشمالية شارع الملك عبدالله الأول مجمع الفردوس

مرحبًا بكم في "فريق د. مجدي العطار"، مؤسسة خيرية تسعى لتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع من خلال دعم ورعاية الفئات الأكثر حاجة. نحن هنا لتوفير الفرص والأمل لكل فرد في مجتمعنا، متبعين نهجًا متميزًا في تحقيق التكافل الاجتماعي والمساهمة في حياة أفضل للجميع.