
قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (البقرة/253).
من رحمة الله تعالى، أن خلق الإنسـان لسـعادة أبدية، فجعل الكون طريق معرفة العبد لربه، وأودع في الإنسان العقل، كأداة لمعرفة الحق من الباطل، وجعل في الإنسان فطرة، ترشده إلى الخير دون الشر، وأودع في الإنسان شهوات؛ ليرقى بها إلى ربه سبحانه، ثم فضلاً عن كل تلك النعم: كون، وعقل، وفطرة، وشهوة، أرسل إليه رسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق، فهؤلاء الرسل قِمَم البشرية، هم قدوة في الدنيا والآخرة.
أيها الأحبة، قال علماء البلاغة في قوله سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ}: ما الحكمة من استخدام {تِلْكَ} وهي اسم إشارة لمخاطبة المفرد، بينما هنا {الرُّسُلُ} جمع؟، أجاب علماء البلاغة: لبيان أن دعوتهم واحدة، ثم قالوا: ما الحكمة أنها اسم إشارة مؤنث {تِلْكَ}؟، أجاب علماء البلاغة: إشارة إلى مضمر، وهي الرسالة، فكأن الآية الكريمة تقول: هؤلاء الرسل يبلِّغون رسالةً واحدة.
ثم قال سبحانه: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، قال العلماء: ما الفرق بين التفضيل والمحاباة؟، ذكروا مثال: ابن مع أبيه في مزرعة لهم، طلب الابن من أبيه أن يقود السيارة داخل المزرعة، سمح له؛ لأنه ابنه ويحبه، لكن على الطريق العام، لا يسمح الأب للابن بقيادة السيارة، لماذا الأب سمج للابن في الأولى، ويمنعه من الثانية؟؛ لأن الأولى محاباة، والثانية تفضيل، وبالتالي هذا التفضيل لا يعلمه إلا الله تعالى، أما نحن: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة/285).
ثم قال علماء العقيدة: التفضيل لا يقتضي الأفضلية، فمثلًا: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (النساء/164)، هل معنى أن الله كلم موسى تكليماً أنه أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟، الجواب: لا، التفضيل لا يقتضي الأفضلية، ومثال: إنسان لديه ابنان، الأول سافر للدراسة، فأعطاه والده مالًا يعينه على نفقات السفر، والثاني لم يعطه مالًا، هل إعطاء المال للأول؛ دليل على أنه والده يحبه أكثر، لا؛ لأن التفضيل لا يقتضي الأفضلية.
أيها الأحبة، ثم قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، ونرى اليوم أكثر من يتسلط على المسلمين هم اليهود والنصارى، والأصل أن لا قتال بيننا، فأنبياؤنا أصحاب رسالة واحدة، وقال العلماء: قد يحدث خلاف بسبب أمرين، الأول: الجهل، وهذا اختلاف طبيعي بسبب نقص المعلومات، لكن الله تعالى قال: {جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، بينات جاء بها موسى عليه السلام، وبينات جاء بها عيسى عليه السلام، وأما النوع الثاني من الخلاف، وهو اختلاف أهواء ومصالح وشهوات، وهذا اختلاف قذر. وفي زماننا نرى اختلاف مع المسلمين من النوع، وهو نقص المعلومات، وهؤلاء عند معرفة الحق، يدخلون في دين الله أفواجًا، ومن اليهود والنصارى غاظهم هذا الأمر، فانطلقوا إلى النوع الثاني من الخلاف، وهو خلاف أهواء ومصالح وشهوات، فهذا الأحمق الذي حرق المصحف الشريف، أليس الأولى به أن يقرأ القرآن الكريم، ويناقشنا، إما هو على حق، أو نحن على حق، لكنها خلاف أهواء ومصالح وشهوات.
قبل أيام في السويد، تقدم شاب من أصل مصري، بطلب حرق التوراة أمام السفارة الإسرائيلية، تم رفض طلبه، رغم أنه صرح مسبقًا بأنه لن يفعلها، حتى لو حصل على تصريح بذلك؛ لماذا؟، لأن الخلاف بيننا وبينهم خلاف نقص معلومات، وليس أهواء ومصالح وشهوات!.
فالحمد لله أن حفظ الله تعالى لنا القرآن العظيم، وجعلنا أتباع سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد الله على نعمة الإسلام، يقول: ابن عطاء السكندري رحمه الله: إن صاحبت مسرور سُررت، وإن رافقت الغافلين غفلت، وإن جلست مع الذاكرين ذكرت، ولهذا قال تعالى لمريم عليه السلام: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (آل عمران/43).
الخطبة الثانية
قال أحد الصالحين: المعصية بعد النعمة، أشد من المعصية قبل النعمة، أما قال تعالى: { وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران/152)، أما آن لنا معشر المسلمين أن نحافظ على نعمة، ونؤدي حقها، وهي: نعمة الإيمان، لا يكفي ان نكون مسلمين فقط، بل لا بد أن نكون مؤمنين.
والحمد لله كما قال العلماء: الله تعالى جعل فتنتا في دنيانا، وليس في ديننا، والدين واضح: من ربك؟، ما دينك؟، من نبيك؟، لكن فتن الدنيا هي التي تبعدنا عن ديننا، حتى أعداؤنا يحاربونا بأرزاقنا؟، دولار بترول، أي دنيانا، لكنهم هل يستطيعوا منعنا من ذكر مولانا، أو حب واتباع نبينا صلى الله عليه وسلم، أقام الصحابي الجليل بلال الحجة علينا جميعنا، سيده أمية بن خلف أخرجه من الدنيا كلها، لكنه لم يستطع أن يخرج “أحدٌ أحد” من قلب بلال رضي الله عنه، فهم يلعبون بدنيانا صحيح، أما قلوبنا مطمئنة بلا إله إلا الله، محمد رسول الله.
ثم الدنيا تشترى، أما الدين فلا يشترى، هل نستطيع أن نذهب إلى مكان، ونقول له: لو سمحت، ربع كيلو دين، ونصف كيلو حب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
قال حكيم: زرعان يحبهما الناس: زرع الشجر وزرع الأثر، فإن زرعت الشجر ربحت الثمر، وإن زرعت طيب الأثر، ربحت محبة الله ثم البشر.
د. أبو عبيدة العطار
0 responses on "لا نفرق بين أحد من رسله"