مقال 🌟وتبقى ذكرى بدر مدرسة عبر الأجيال

قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران/12)، شهر رمضان المبارك، شهر الصبر وشهر الجهاد، وقعت فيه غزوة بدر وفتح مكة وفتح الأندلس ومعركة حطين ومعركة عين جالوت وغيرها.
غزوة بدر لو قيست بالمعارك الطاحنة التي امتلأت بها صفحات التاريخ، فإنها لن تتعدى أن تكون معركة صغيرة بين طائفتين قليلتين في العدد والعدة، فالمسلمون عددهم 313 مقاتلاً، والمشركين ألفًا.
لكن نتائج غزوة بدر غيرت مجرى التاريخ، ومن هنا نفهم فحوى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في بداية غزوة بدر: “اللهم إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض”، وفعلًا كانت غزوة بدر هي شهادة الميلاد الحقيقي لدولة الإسلام بقيادة الرسول الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام.
بل إن من شهد بدرًا من الصحابة الكرام، حصل على وسام شرف رفيع، فيقال: هذا من أهل بدر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في حق حاطب بن أبي بلتعة حين بعث برسالة إلى قريش يخبرهم فيها بخروج الرسول إلى مكة فاتحاً: “إنّه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم”.
غزوة بدر مدرسة، ومن هذه الدروس: القيادة ليست ميزة يتميز بها الإنسان على أصحابه، بل هي مسؤولية وإيثار وتضحية في سبيل من يقوم على شؤونه، كما قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: كنا يوم بدر، كل ثلاثة على بعير، فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا جاءت عُقْبَة رسول الله، قالا: نحن نمشي عنك، فيقول صلى الله عليه وسلم: “ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما”.
ومن دروس غزوة بدر: احترام العهود حتى وإن كانت مع العدو، كمنا حصل مع الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ما منعنا أن نشهد بدراً إلا أني وأبي أقبلنا نريد رسول الله، فأخذنا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريده إنما نريد المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لتصيرن إلى المدينة ولا تقاتلوا مع محمد، فلما جاوزناهم أتينا رسول الله، فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “نستعين الله عليهم ونفي بعهدهم”.
ومن دروس غزوة بدر: إكرام الأسرى قال أبو عزيز بن عمير، وهو أخو الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه، وكان من جملة أسرى المشركين يوم بدر: كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قَدّمُوا غداءهم وعشاءهم خَصّونِي بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله إيّاهُمْ بِنَا.
فكان لهذا الخُلق الرفيع في معاملة الأسرى عظيم الأثر في نفوسهم، وهو ما دفعهم إلى الإسلام، فقد  فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، وصدق في الصحابة الكرام، قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (الإنسان/8).
دمتم بخير
فريق د. مجدي العطار

اترك تعليق